سجنجل امرؤ القيس المُخصر...!

” الساخر كوم ”

أقبلت – وكلي أمل – على الشاعر امرؤ القيس، كيف لا افعل وهو صاحب أشهر المعلقات السبع على الإطلاق (قفا نبك لذكرى حبيب ومنزل)، وفضلاً عنه انه رجل عاطل، لا شغل له ولا مشغله، هو أيضاً ابن أخت الشاعر المهلهل بن ربيعه “جليس النساء”، ما يؤكد انه كان رجلاً أريحي صاحب مزاج معتدل، وله سوابق في جلسات الأٌنس والفرفشة!

كان أن أقبلت عليه متخففاً، إلى أن رأيته يجلس القرفصاء تحت شجرة ذابلة الأوراق يشرب الخمر، ويندب حظه، شاكياً إلى الكثبان حوله هجر الحبيبة!
رأيته كذلك، بينما هو مستغرق بشدة في البكاء، منغمساً في العويل ولطم الخدود، تماماً كما كانت تفعل الست أم العربي بعد وفاة زوجها أبو العربي إثر طبق فول طبق على أنفاسه ذات مرة!

المهم، ولكي لا نجحف الرجل حقه، دعوني أؤكد لكم أن امرؤ القيس بدا لي كرجل ذو حس وكلمة، فهو يستمتع بالكّلِم وتبادله، بل والإطالة فيه وتكراره، حتى إنني اظنه – والله اعلم – أول شاعر جاهلي قام بكتابة قصائده مخموراً!

وإلا، فكيف كان له أن يجرؤ، هذا الرجل الإسطبل المتيم على ذكر تفاصيل التفاصيل في لقاءاته المشبوهة بعشيقته تلك، وذلك في مجتمع قبائلي من الدرجة الأولى يستسيغ شرب الدماء على تناول الماء!

الحقيقية – والحق غواية – أن الرجل كتب بعض أبيات معلقته تلك، كأي كاتب سيناريو محترف لأفلام بورنو درجة ثالثة من التي يشاهدها بعضكم على قنوات (اسطانبول) الشقيقة!
وَإنْ تكُ قد ساءتكِ مني خَليقَة ٌ
فسُلّي ثيابي من ثيابِكِ تَنْسُلِ

إلى أن قال – خفف الله عليه هبله -:
و بيضةِ خدر لا يرامُ خباؤها
تَمَتّعتُ من لَهْوٍ بها غيرَ مُعجَلِ

هذا، وللحاسدين منكم أقول، أن امرؤ القيس، لم يتوصل لنتيجته تلك إلا بعد أن تجاوز أهوالاً يشيب لها الولدان، حتى إن رحلة رجل كابن بطوطة، كانت لتبدو جوار تضحياته كـ (سقط متاع) لا أكثر، إذ يقول في ذلك:
تجاوزْتُ أحْراساً إلَيها ومَعْشَراً
عليّ حِراساً لو يُسروّن مقتلي

فكيف إذن تستكثرون على الرجل شأنه هذا، مع غانيته تلك، بعد مروره بمثل هذه الأهوال!

كما أخبرني امرؤ القيس، إثر انبساط أخير قام به بعد استنشاقه لارجوانة اميركية الصنع قائلاً:
انه لم يتوصل إلى ذلك دون تعب وشقى، مؤكداً انه قال في معشوقته ما لم تقله الأوائل من قبل، حتى لان له قلبها واضمحل:
أغَرّكِ مني أنّ حُبّكِ قاتِلي
وأنكِ مهما تأمري القلب يفعل

ومَا ذَرَفَتْ عَيْناكِ إلا لتَضْرِبي
بسَهمَيكِ في أعشارِ قَلبٍ مُقَتَّلِ

كان حرياً بها إذن أن تفعل الأخت، وإلا فكيف لمختلة، أن ترهف السمع لمثل هذا الفخ المحكم شعراً، ثم ترفض بعد ذلك أن تلتقي رجلها على ظهر كثيب ما:
ويوماً على ظهر الكثيبِ تعذَّرت
عَليّ وَآلَتْ حَلْفَة ً لم تَحَلَّلِ

أيضاً كانت قمة الدراما في هذا الحدث المأسوي الذي أخبرني به امرؤ القيس هو تمنع معشوقته واستهبالها عليه، وذلك على رغم كل الجهود الفلكلورية المضنية، التي بذلها أخونا الخمرجي حتى تلتقي به!

مع ذلك، فإني على ثقة تامة، أن امرؤ القيس كان يعرف مسبقاً أن متاعبه تلك ما كانت لتستحق العناء، لو يكن قد تأكد سلفاً من حدوث بعض النتائج المبهرة لاحقاً:
فجِئْتُ وقد نَضَّتْ لنَوْمٍ ثيابَها
لدى السِّترِ إلاَّ لِبْسَة َالمُتَفَضِّلِ
فقالت يمين الله ما لكَ حيلة ٌ
وما إن أرى عنك الغواية َ تنجلي

الحقيقة – والحق مبهر – انه تأكد لي أيضاً إن امرؤ القيس قد لا يختلف كثيراً عن أي طالب ثانوية عامة موهوب تمكن بطريقته في القفز من فوق سور مدرسته، بعد أن غافل معلميه الأشرار، اثر نجاحه الكاسح في الهروب من بين مخالبهم حياً!

أيضاً، باستطاعة القارئ، أن يستنتج – بغير مشقة أو كثير عناء – إن البت الصايعة خاصة امرؤ القيس، قد فرت هي الأخرى من مدرستها بطريقة ما حتى تلتقي به، وذلك على الرغم من (يمين الله ما لك حيلة)!

مع ذلك، لم يكن ليثير ريبتي أو يكد خاطري مثل هذا الأمر، فمثل هذه الأحوال معلومة، في عموم حال مثل هؤلاء…
وإنما كان ما جلجل في السهد أرّقي، هو قول امرؤ القيس، مستفيضاً في وصف آنسته تلك، مؤكداً إنها كانت أيضاً:

مهفهفة بيضاء غير مفاضة
ترائبها مصقولة كالسجنجل
وكشح لطيف كالجديل مخصر
وساق كأنبوب الشقي المذلل

أقول، أن مثل هذا الأبيات، أصابتني بخيبة أمل كبيرة في شعراء العصر الجاهلي…
فها هو امرؤ القيس يحذو حذو عمرو بن كلثوم، متخذاً له من (المآكم) حباً يكتب فيه الغزل!

فقوله عندما كان يثني على (هفهفتها)، يشي بما لا يدع مجالاً للشك بفساد ذوقه فضلاً عن أخلاقه!

حاجة غريبة…
ما بال شعراء الجاهلية كانوا ينشدون في المرأة الضخامة، فضلاً عن البدانة، وفي الوقت نفسه – شوف التعجيز يا أخي – ما يكونش عندها ترهل!

مش كدا وبس، بل انه عايزها تكون مصقولة كالسجنجل، ولو إني متأكد إني سأموت مرتين على الأقل قبل أن اعرف يعني إيه سجنجل!
حقاً، من طلب السجنجل سهر الليالي…

مع ذلك، فانه يجب علي قارئ شعر امرؤ القيس الاعتراف بأحقيته الشعرية، فقصائد الرجل وإن كانت تفوح بروائح الخمر المغشوش، إلا أن قارئها لا يعدم الجمال فيها، فضلاً عن استساغة أبياتها والتغني بها!

حسبي فقط بقصائد امرؤ القيس، إنها ليست كألغاز شعراء الحداثة التعبانين بتوع اليومين دول، والتي قد تبدو قصائدهم في الوهلة لقارئيها، وكأنها طلاسم سرية، كتبت خصيصاً لفك عمل سحري سفلي لا تشق له قراءة!

(انتهى)
ابن الأرض
.
.
مغلق!

ابن الارض

Archived By: Crazy SEO .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بوابة الجحيم...! (استشراف)

من يوميات أب... مُحب جداً!