أضرموا النـار في عنقـي...!

” الساخر كوم ”

بتخاذل وعينين مرهقتين واصل “مؤمن” التحديق في وجه جلاديه بغير إدراك…
– لا فائدة منه يا ستيف!
– دعنا نحاول معه من جديد، فالسيد الكبير ينتظر نتائج!
– لا عليك سنحصل على النتائج بأسرع مما توقع، فالعرب اضعف عزيمة مما تتصور!
– حقاً ما تقول ديفيد، لكن هذا العربي الصغير، يبدو لي اشد بأساً مما اعتدته منهم!
– كلهم كانوا كذلك، لكن انظر، فالأخت سيلين القديسة تعرف جيداً كيف تتعامل معهم!
– اوه، حقاً، إن لها طرقاً لعينة في استجوابهم، رباه، لا اعرف كيف تفعل ذلك!
– ها ها ها، لا عليك فالنساء دوماً بارعات في هذا المضمار…!

بعد لحظات…
اتجه نحو مؤمن ستة من المناكب القوية، قبل أن يقوم احدهم بتسديد ركلة قوية إلى مؤخرته ألقته بغضب على بعد أمتار من أكثرهم قرباً منه!
لم يشعر مؤمن بالألم، قدر شعوره بالعجز…
كان عجزه إسلامياً… عربياً أيضاً!
حملوه، حال الصياد مع فريسة سهلة، بغير اكتراث أو كثير فخر، ثم القوه في الزنزانة 911، هناك حيث يتوحد قاطني “لا اله إلا الله”!
***

عاودت أخونا مؤمن ذكرى اعتقاله الأولى، بنفس خطى الخذلان في قلبه…
هناك حين تراوده التفاصيل في كل حين، حين تحتشد أكثر الذكريات رعباً في مخيلته، فتلقيه – رغماً عنه – على قارعة السؤال المؤلم: أين الله؟!
***
– الله هنا يا مؤمن!
كان ذلك صوت الحاج عبدالوهاب المصري، القاطن في الزنزانة المجاورة للأخ مؤمن، والذي قُدِر قدراً أن يجمعهما نفس السبيل إلى الجزيرة الكوبية…
لم يكن من نصيب احدهما القدرة على رؤية محيا الآخر رغم مجاورتهما المكان، إلا أن صوت كليهما ارتكز في أعماق الآخر لثلاث سنين ونيف!
– سلام الله عليك يا حاج!
– وعليك سلام الله يا ولدي وبركاته!
– أنا خائف يا حاج عبد الوهاب!
– كلنا كذلك!
– لم اعد احتمل!
– كلنا كذلك!
– أين الله؟!
– هون عليك يا بني!
– أين الله؟!
– هنا…
– أيـن؟!
– في قلبـك!
لم يحتمل مؤمن، فبكى بكاءً شديداً، وقد كان لا يفعل إلا والحاج عبدالوهاب يناجيه، كان لصوته نفس أريحية صوت والده عبدالرحمن الغامدي!
كان لصوته نفس الحنو، لذا كان سماعه مؤلماً…
* * *
كان عبدالرحمن الغامدي، الابن الثالث للشيخ يحيى الغامدي، والذي اعتنى به منذ نشأته، فثقفه الفقه، وعلمه التفسير منذ طفق ينطق، حتى حفظ القران الكريم عن عشر سنين، ثم تزوج باكراً من ابنة عمه الشيخ صالح، فلما لم يمضي من عمره تسعة عشر حتى رُزق صبياً بهي المحيا، اسماه من بهاء نوره “مؤمن”…

وكان الشيخ عبدالرحمن الغامدي آنذاك – رغم حداثة سنه – قد حمل على عاتقه عهداً أن يحسن تربية صغيره وتنشئته، فلقنه من نهج السيرة وطيب الحديث ما علمه إياه جده لأبيه، حتى غدا “مؤمن” من أكثر الطلبة علماً ونبوغاً، وهو بعد لم يتجاوز العاشرة من دهره…
***

سريعاً بلغ “مؤمن” الثامنة عشرة إلا قليلاً، فأراد أبوه أن يزوجه، تحصيناً له وتبريكاً، غير أن الفتى ربأ على نفسه المكوث لما مكث إليه اقرأنه من الدعة والانصياع، فأسر لوالده الشيخ الغامدي ذات مساء برغبته في الزواج من الحور!
ابتسم الشيخ الغامدي وقد كسا نفسه السرور، فقال:
– لكن يا ولدي لا يتجوز من الحور إلا الشهداء!
– وأنا تواق للشهادة يا والدي!
– أمِن أجل الزواج بهن يا مؤمن!
– بل من اجل نصرة الدين يا أبي، وان أكرمني الله بالشهادة، لاستحقن وعده إذن وعن جدارة!

أطال الشيخ الغامدي النظر إلى مؤمن، دون أن يبدو على محياه أي اثر لما يعتمل في نفسه، وقد كانت تصطرع في دواخله جبهتين احدهما لمشاعر الأب تجاه ولده، والأخرى لواجبه نحو دينه، رغماً من إشفاقه على صغيره من ويلات الجهاد ومتاعبه!

غير انه لم يمض من الدهر إلا اقله، حتى تنهد الشيخ الغامدي بابتسامة يشوبها قلق حذر، ثم قال:
– لك يا ولدي ما شئت من أمر نفسك!
***

كانت سيلين القديسة، ابعد ما تكون عن قداسة المسيحي المتدين، ولكنه اصطلح تسميتها كذلك جزافاً بين السجانين، كونها لا تمارس التعذيب – بدنياً كان أو نفسياً – على ضحيتها إلا بعد أن تهتف باسم المسيح، وكانت فضلاً عن كونها حادة الطبع من أولئك النسوة المستوحشات غلظة، حتى تخال انه لحكمة يعلمها الله خلقت بجسد امرأة وروح سفاح!

– ماذا تفعل أيها الفاتن الصغير، في هذا الصباح الجميل؟!
– ((سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم))!
– يبدو لي انك غير مسرور لمرآي، حسناً، سنصبح أصدقاء بعد أن نتحدث!
– لا شئ مشترك بيننا لأحدثك به، ولو كان بيدي لأعدت صياغة نفسك السيئة، فأعيدك من حيث لا تدرين إلى أصل ما خلق الله به المرأة!
– أتسخر مني أيها الخنزير الصغير، باسم المسيح لاجعلن سياجك من أمعائك!
– لا يهمني، افعلوا ما شئتم… فهو معي؟
– لا أرى احدهم معك أيها المختل!

أشار مؤمن تجاه قلبه، ثم قال في كبرياء هادرة:
– انه هنا…!

أشاحت ماري عنه بغضب متوتر، من ثمّ انهمكت في اعتيادية لإعداد الجهاز الصاعق، بعدما هيئت أقطابه لمناورة جسد مؤمن عن عزيمته!
أما مؤمن فقد انحنى ساجداً لله في رجاء، قابضاً في يديه كتاب الله، ولسان قلبه يهتف في توسل:
– يا رب… كن معي!

ثم حملوه أربعة منهم، فقدموه إلى سيلين القديسة، بعد أن أغدقوا على جسده الصغير عطايا الألم والمهانة…
فعلوا ذلك مراراً…
حتى يخبو نوره…
أو يقذف قرآنه!
لكنه لم يفعل…
حتى مات!
مات شهيداً…
***
والآن…
أزيلوا دماء الشهداء من على أعناقكم!
ثم أضرموا النار في عنقي!
سحقاً لكم…
عفواً…
سحقاً لي…

(انتهى)

ابن الارض

Archived By: Crazy SEO .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بوابة الجحيم...! (استشراف)

من يوميات أب... مُحب جداً!

رافس... آخر سلالة (حا شي را) العظيم!